کد مطلب:336358 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:232

الوهابیة و زیارة قبر النبی
استدل ابن تیمیة و من تبعه [1] فی تطرفه علی حرمة زیارة قبر النبی صلی الله علیه و سلم و آله بالحدیث المنقول عن أبی هریرة عن رسول الله و آله.

(لا تشد الرحال الا الی ثلاثة مساجد: مسجدی هذا و المسجد الحرام و المسجد الأقصی) [2] .

و علق ابن تیمیة علی هذا الحدیث قائلا: (هذا الحدیث صحیح اتفق الأئمة علی صحته و العمل به، فلو نذر الرجل أن یصلی بمسجد أو یعتكف فیه و یسافر الیه غیر المساجد الثلاثة لم یجب علیه ذلك باتفاق الأئمة) [3] .

لاشك فی وجود هذا الحدیث فی الصحاح و لسنا الآن فی مقام المناقشة فی سنده، بل مقصودنا هو مفاد الحدیث.



[ صفحه 112]



و لنفترض أن نص الحدیث هو: (لا تشد الرحال الا الی ثلاثة مساجد...) فمن الثابت أن (الا) هی أداة الاستثناء و لابد من وجود المستثنی منه، و یجب تحدیده، و بما أنه مفقود فی النص فلابد من تقدیره فی الكلام.

و قبل الاشارة الی القرائن الموجودة یمكن تقدیر المستثنی منه فی صورتین:

1 - لا تشد الرحال الی مسجد من المساجد الا الی ثلاثة مساجد...

2 - لا تشد الرحال الی مكان مكن الأمكنة الا الی ثلاثة مساجد...

ان فهم الحدیث و الوقوف علی معناه یتوقف علی أحد هذین التقدیرین.

فان اخترنا التقدیر الأول كان معنی الحدیث عدم شد الرحال الی أی مسجد من المساجد سوی المساجد الثلاثة، و لا یعنی عدم جواز شد الرحال الی أی مكان حتی لو لم یكن مسجدا.

فلا یشمل النهی من یشد الرحال لزیارة الأنبیاء



[ صفحه 113]



و الأئمة الطاهرین و الصالحین، لأن موضوع البحث هو شد الرحال الی المساجد - باستثناء المساجد الثلاثة المذكورة - و أما شد الرحال الی زیارة المشاهد المشرفة فلیس مشمولا للنهی و لا داخلا فی موضوعه. هذا علی التقدیر الأول.

و أما علی التقدیر الثانی فلازمه أن تكون كافة السفرات المعنویة - ماعدا السفر الی المناطق الثلاث المذكورة - محرمة، سواء كان السفر من أجل زیارة المسجد أو زیارة مناطق أخری.

ولكن القرائن والدلائل تشیر الی أن التقدیر الأول هو الصحیح، بناء علی صحة سند الحدیث و اعتباره.

اما القرائن علی صحة التقدیر الأول فهی كالآتی

أولا: لأن المساجد الثلاثة هی المستثناة، و الاستثناء هنا متصل - كما هو واضح - فلابد أن یكون المستثنی منه هو



[ صفحه 114]



المساجد لا المكان [4] .

ثانیا: لو كان الهدف هو منع كافة السفرات المعنویة لما صح الحصر فی هذا المقام، لأن الانسان یشد الرحال فی موسم الحج للسفر الی (عرفات) و (المشعر) و (منی) فلو كانت السفرات الدینیة - لغیر المساجد الثلاثة - محرمة، فلماذا یشد الرحال الی هذه المناطق؟! ألا یكون هذا شاهدا علی أن الحدیث بهذا النحو منحول علی النبی صلی الله علیه و سلم و آله.

ثالثا: لقد أشار القرآن الكریم و الأحادیث الشریفة الی بعض الأسفار الدینیة، و جاء التحریض علیها و الترغیب فیها، كالسفر من أجل الجهاد فی سبیل الله و طلب العلم وصلة الرحم و زیارة الوالدین و ما شابه ذلك. فمن ذلك قوله تعالی: (و ما كان المؤمنون لینفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة لیتفقهوا فی الدین و لینذروا قومهم



[ صفحه 115]



اذا رجعوا الیهم لعلهم یحذرون) [5] .

و لهذا فقد فسر كبار الباحثین و المحققین الحدیث المذكور بما أشرنا الیه.

قال الغزالی - فی كتابه احیاء العلوم - و هو: أن یسافر لأجل العبادة اما لحج أو جهاد.. و یدخل فی جملته: زیارة قبور الأنبیاء (علیهم السلام)، و زیارة قبور الصحابة و التابعین و سائر العلماء و الأولیاء. و كل من یتبرك بمشاهدته فی حیاته یتبرك بزیارته بعد وفاته، و یجوز شد الرحال لهذا الغرض، و لا یمنع من هذا قوله صلی الله علیه و سلم و آله: (لا تشد الرحال الا الی ثلاثة مساجد: مسجدی هذا و المسجد الحرام و المسجد الأقصی) لأن ذلك فی المساجد، فانها متماثلة [فی الفضیلة] بعد هذه المساجد، و الا فلا فرق بین زیارة قبور الأنبیاء و الأولیاء و العلماء فی أصل الفضل، و ان كان یتفاوت فی الدرجات تفاوتا عظیما بحسب



[ صفحه 116]



اختلاف درجاتهم عندالله [6] .

من هنا.. فان المنهی عنه - فی هذا الحدیث - هو شد الرحال الی غیر المساجد الثلاثة، من المساجد الأخری، و لا علاقة له بالسفر الی المساجد أو البقاع المباركة للزیارة أو لأهداف معنویة أخری.

و یدل علیه ما رواه أصحاب الصحاح و السنن أن رسول الله صلی الله علیه و سلم و آله كان یأتی مسجد قبا راكبا و ماشیا فیصلی فیه ركعتین [7] .

و لنا أن نتساءل: كیف یمكن أن یكون شد الرحال و قطع المسافات من أجل اقامة الصلاة - مخلصا لله - فی بیت من بیوته سبحانه حراما و منهیا عنه؟!!

و اذا كانت الصلاة فی المسجد مستحبة فان مقدمة المستحب مستحبة أیضا [8] .



[ صفحه 117]



و من هنا لا یلتزم الوهابیون بتحریم زیارة روضة الرسول صلی الله علیه و سلم و آله بقول مطلق؛ بل نجدهم یعترفون بأصل الزیارة و مشروعیتها، الا أن السفر لأجلها یعدونه حراما.

قال محمد بن عبدالوهاب:

تسن زیارة النبی صلی الله علیه و سلم الا أنه لا یشد الرحال الا لزیارة المسجد و الصلاة فیه [9] .

أما ابن تیمیة فیقول: و أما قبور الأنبیاء و الصالحین فلا یستحب اتیانها للصلاة عندها و الدعاء عند أحد من أئمة الدین، بل ذلك منهی عنه فی الأحادیث الصحیحة، كما ذكر غیر واحد من العلماء، ولكن یجوز أن تزار القبور للدعاء لها، كما كان النبی صلی الله علیه و سلم و آله یزور أهل البقیع [10] .

و یقسم ابن تیمیة الزیارة الی قبر الرسول صلی الله علیه و سلم و آله من حیث نیة المسافر و قصده، الی ثلاثة أنحاء:

1 - سفر یقصد منه الصلاة فی مسجد النبی صلی الله علیه و سلم و آله



[ صفحه 118]



فهذا مشروع بالنص و الاجماع.

2 - سفر یقصد منه السفر الی مسجده و قبهر صلی الله علیه و سلم و آله فهذا قد قصد مستحبا مشروعا بالاجماع.

3 - سفر لا یقصد منه الا القبر فهذا مورد النزاع، فمالك و الأكثرون یحرمون هذا السفر، و كثیر من الذین یحرمونه لا یجوزون قصر الصلاة فیه، و آخرون یجعلونه سفرا جائزا و ان كان غیر مستحب و لا واجب النذر [11] .

و بهذا الصدد نجد الحافظ الذهبی فی سیر أعلام النبلاء یرد علی ابن تیمیة بما نصه

(فمن وقف عند الحجرة المقدسة ذلیلا مسلما، مصلیا علی نبیه، فیا طوبی له، فقد أحسن الزیارة، و أجمل فی التذلل و الحب، و قد أتی بعبادة زائدة علی من صلی علیه فی أرضه أو فی صلاته، اذ الزائر له أجر الزیارة و أجر الصلاة علیه، و المصلی علیه فی سائر البلاد له أجر الصلاة فقط. فمن صلی علیه واحدة صلی الله علیه عشرا.



[ صفحه 119]



ولكن من زاره - صلوات الله علیه - و أساء أدب الزیارة، أو سجد للقبر أو فعل ما لا یشرع، فهذا فعل حسنا و سیئا فیعلم برفق والله غفور رحیم، فوالله ما یحصل الانزعاج لمسلم و الصیاح و تقبیل الجدران و كثرة البكاء الا و هو محب لله و لرسوله، فحبه المعیار و الفارق بین أهل الجنة و أهل النار.

فزیارة قبره صلی الله علیه و سلم و آله من أفضل القرب - و شد الرحال الی قبور الأنبیاء و الأولیاء - لئن سلمنا أنه غیر مأذون فیه لعموم قوله صلوات الله علیه: (لا تشدوا الرحال الا الی ثلاثة مساجد...) - فشد الرحال الی قبر نبینا صلی الله علیه و سلم و آله مستلزم لشد الرحل الی مسجده، و ذلك مشروع بلا نزاع، اذ لا وصول الی حجرته الا بعد الدخول الی مسجده، فلیبدأ بتحیة المسجد ثم بتحیة صاحب المسجد، رزقنا الله و ایاكم ذلك آمین) [12] .

و قال الشیخ شعیب الأرناؤوط معلقا علی كلمة الذهبی هذه فی سیر أعلام النبلاء ما نصه:



[ صفحه 120]



(قصد المؤلف (رحمه الله) بهذا الاستطراد الرد علی شیخه ابن تیمیة الذی یقول بعدم جواز شد الرحال لزیارة قبر النبی، و یری صلی الله علیه و سلم أن علی الحاج أن ینوی زیارة المسجد كما هو مبین فی محله) [13] .


[1] كمحمد بن عبدالوهاب في الرسالة الثانية من رسائل الهدية السنية، روي الحديث في أكثر من صورة.

[2] صحيح مسلم 126: 4 كتاب الحج باب لا تشد الرحال. و ذكره أبوداود في سننه 469: 1 كتاب الحج. و النسائي في سننه مع شرح السيوطي 38 - 37: 2.

[3] ابن تيمية في الرد علي الأخنائي: 27.

[4] لو قال قائل: ما جاء الا زيد، فالمستثني منه - في هذه الجملة - هو: الانسان أو القوم أو مشابه ذلك، و ليس المستثني منه كلمة عامة كالشي و الموجود، سواء كان انسانا أو غيره.

[5] التوبة: 122.

[6] كتاب احياء علوم الدين للغزالي 247: 2، كتاب آداب السفر، طبعة دار المعرفة بيروت، الفتاوي الكبري 24: 2.

[7] صحيح مسلم 127: 4، و راجع في هذا المعني صحيح البخاري 76: 2، السنن للنسائي المطبوع مع شرح السيوطي 37: 2.

[8] راجع الوهابية في الميزان: 152 - 148، للشيخ جعفر السبحاني.

[9] الرسالة الثانية من رسائل الهدية السنية لمحمد بن عبدالوهاب.

[10] ابن تيمية في الرد علي الأخنائي، و الفتاوي الكبري لابن تيمية 122 - 118: 1.

[11] ابن تيمية في الرد علي الأخنائي: 16.

[12] سير أعلام النبلاء للحافظ الذهبي 484: 4.

[13] البشارة و الاتحاف بما بين ابن تيمية و الألباني في العقيدة من الاختلاف لحسن بن علي السقاف: 55.